الإمام الباقر عليه السلام :
تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال
تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال
سأله عطا و نحن بمكة عن هاروت و ماروت فقال أبو جعفر ع إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم و ليلة يحفظون أعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم و الجن فيكتبون أعمالهم و يعرجون بها إلى السماء قال فضج أهل السماء من معاصي أهل أوساط الأرض فتوامزوا فيما بينهم مما يسمعون و يرون من افترائهم الكذب على الله تبارك و تعالى و جرأتهم عليه و نزهوا الله مما يقول فيه خلقه و يصفون فقالت طائفة من الملائكة يا ربنا ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك و ما يصفون فيك الكذب و يقولون الزور و يرتكبون المعاصي و قد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم و هم في قبضتك و قدرتك و خلال عافيتك قال أبو جعفر ع فأحب الله أن يري الملائكة القدرة و نافذ أمره في جميع خلقه و يعرف الملائكة ما من به عليهم مما عدله عنهم من صنع خلقه و ما طبعهم عليه من الطاعة و عصمهم به من الذنوب
قال فأوحى الله إلى الملائكة أن انتدبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم اجعل فيهما من طبائع المطعم و المشرب و الشهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي قال فندبوا لذلك هاروت و ماروت و كانا أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم و استئثار غضب الله عليهم قال فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبائع المطعم و المشرب و الشهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلت في ولد آدم قال ثم أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا و لا تقتلا النفس التي حرم الله و لا تزنيا و لا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر و لباسهم فهبطا ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء مزينة معطرة مسفرة مقبلة نحوهما قال فلما نظرا إليها و ناطقاها و تأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموضع الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا إليها رجوع فتنة و خذلان و راوداها عن نفسها فقالت لهما إن لي دينا أدين به و ليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به
فقالا لها و ما دينك قالت لي إله من عبده و سجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني فقالا لها و ما إلهك قالت إلهي هذا الصنم قال فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهينا عنهما الشرك و الزنا لأنا إن سجدنا لهذا الصنم و عبدناه أشركنا بالله و إنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا و هو ذا نحن نطلب الزنا فليس تعطى إلا بالشرك قال فائتمرا بينهما فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما فقالا لها نجيبك إلى ما سألت فقالت فدونكما فاشربا هذه الخمر فإنه قربان لكما و به تصلان إلى ما تريدان فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك و الزنا و شرب الخمر و إنما ندخل في شرب الخمر و الشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما فقالا ما عظم البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت قالت فدونكما فاشربا من هذه الخمر و اعبدا هذا الصنم و اسجدا له فشربا الخمر و عبدا الصنم ثم راوداهما عن نفسها فلما تهيأت لهما و تهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل هذه فلما أن رآهما و رأياه ذعرا منه فقال لهما إنكما نابان ذعران قد خلوتما بهذه المرأة المعطرة الحسناء إنكما لرجلا سوء و خرج عنهما
فقالت لهما لا و إلهي ما تصلان الآن إلي و قد اطلع هذا الرجل على حالكما و عرف مكانكما و يخرج الآن و يخبر بخبركما و لكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما و يفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما و أنتما مطمئنان آمنان قال فقاما إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها و بدت لهما سوآتهما و نزع عنهما رياشهما و أسقطا في أيديهما قال فأوحى الله إليهما أن أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها و تقدمت إليكما فيها فلم تراقباني و لم تستحييا مني و قد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض المعاصي و استجر أسفي و غضبي عليهم لما جعلت فيكما من طبع خلقي و عصمتي إياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتنا في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة فقال الآخر إن عذاب الدنيا له مدة و انقطاع و عذاب الآخرة دائم لا انقطاع له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني
قال فاختارا عذاب الدنيا فكانا يعلمان الناس السحر في أرض بابل ثم لما علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة