الإمام الصادق عليه السلام :
و قد روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ص
و قد روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ص
أن سائلا سأله فقال يا ابن رسول الله أخبرني عن آل محمد ص من هم قال هم أهل بيته خاصة ... و من أنكر فضل هذه الأمة فهو من الذين قالوا
نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ
و أحبوا أن يتخذوا بين ذلك سبيلا و هم الذين إذا قيل لهم أ تؤمنون بالله و برسوله قالوا نعم و إذا قيل لهم أ فتقرون بفضل آل محمد الذي أنتم به مؤمنون و له مصدقون قالوا لا لأنهم لا فضل لهم علينا قال السائل و ما الحجة في أن أمة محمد هم أهل بيت محمد الذين ذكرت دون غيرهم قال قول الله تبارك و تعالى و هو أصدق القائلين
وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
فلما أجاب الله دعوة إبراهيم و إسماعيل ع أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة و أن يبعث فيها رسولا منها يعني من تلك الأمة يتلو عليها آياته و يزكيها و يعلمها الكتاب و الحكمة أردف إبراهيم دعوته الأولى لتلك الأمة التي سأل لها من ذريته بدعوة أخرى يسأل لهم التطهير من الشرك بالله و من عبادة الأصنام ليصح أمرهم فيها و لئلا يتبعوا غيرها فقال
وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
الذين دعوتك لهم و وعدتني أن تجعلهم أئمة و أمة مسلمة و أن تبعث فيها رسولا منها و أن تجنبهم عبادة الأصنام
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فذلك دلالة على أنه لا تكون الأئمة و الأمة المسلمة التي بعث فيها محمد إلا من ذرية إبراهيم و إسماعيل ع من سكان الحرم ممن لم يعبد غير الله قط لقوله
وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
و الحجة في المسكن و الديار قول إبراهيم
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
و لم يقل ليعبدوا الأصنام فهذه الآية تدل على أن الأئمة و الأمة المسلمة التي دعا لها إبراهيم ص من ذريته ممن لم يعبد غير الله قط ثم قال
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
فخص دعاء إبراهيم ع الأئمة و الأمة التي من ذريته ثم دعا لشيعتهم كما دعا لهم فأصحاب دعوة إبراهيم و إسماعيل ع رسول الله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة ص و من كان متوليا لهؤلاء من ولد إبراهيم و إسماعيل ع فهو من أهل دعوتهما لأن جميع ولد إسماعيل قد عبدوا الأصنام غير رسول الله ص و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و كانت دعوة إبراهيم و إسماعيل لهم
و الحديث المأثور عن النبي ص أنه قال أنا دعوة أبي إبراهيم و من كان متبعا لهذه الأمة التي وصفها الله عز و جل في كتابه بالتولي لها كان منها و من خالفها بأن لم ير لها عليه فضلا فهو من الأمة التي بعث إليها محمد ع فلم تقبل قال الله تبارك و تعالى في هذه الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم و إسماعيل في غير موضع من الكتاب
وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
و في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي لأنه من لم يدع إلى الخير و يأمر بالمعروف و ينه عن المنكر فليس من الأمة التي وصفها الله عز و جل لأنهم يزعمون أن جميع المسلمين هم أمة محمد ص و قد ترى هذه الآية وصفت أمة محمد بالدعاء إلى الخير و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فمن لم توجد فيه صفه الله عز و جل التي وصف بها الأمة فكيف يكون منها و هو على خلاف ما شرط الله عز و جل على الأمة و وصفها به
و قال في موضع آخر يعني تلك الأمة
وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً يعني عدلا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
فإن ظننت أن الله جل ثناؤه عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين أ فترى أن من لم تكن شهادته تجوز في الدنيا على صاع من تمر إن الله طالب شهادته على الخلق يوم القيامة و قابلها على الأمم السالفة كلا لن يعني الله مثل هذا من خلقه و قال في موضع آخر يعني تلك الأمة التي عنتها دعوة إبراهيم
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
فلو كان الله عز و جل عنى جميع المسلمين أنهم خير أمة أخرجت للناس لم يعرف الناس الذين أخرج إليهم جميع المسلمين من هم كلا لن يعني الله الذين تظنون من همج هذا الخلق و لكن عنى الله الأمة التي بعث فيها محمد ص قال السائل فإنه لم يكن معه إلا علي وحده فقال أبو عبد الله ع إن مع علي فاطمة و الحسن و الحسين و هم الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و أصحاب الكساء هم الذين شهد لهم الكتاب بالتطهير
و قد كان رسول الله ص وحده أمة لأن الله سبحانه يقول
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً
فكان إبراهيم وحده أمة ثم رفده بعد كبره بإسماعيل و إسحاق و جعل في ذريتهما النبوة و الكتاب و كذلك رسول الله ص كان وحده أمة ثم رفده بعلي و فاطمة و كثره بالحسن و الحسين كما كثر إبراهيم بإسماعيل و إسحاق و جعل الإمامة التي هي خلف النبوة في ذريته من ولد الحسين بن علي كما جعل النبوة في ذرية إسحاق ثم ختمها بذرية إسماعيل ... قال السائل فأخبرني عن خروج الإمامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين كيف ذلك و ما الحجة فيه قال قول الله تبارك و تعالى
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
أنزلت هذه الآية في خمسة نفر شهدت لهم بالتطهير من الشرك و من عبادة الأصنام و عبادة كل شيء من دون الله أصلها دعوة إبراهيم ع حيث يقول
وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
و الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير رسول الله ص و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ص و هم الذين عنتهم دعوة إبراهيم ع فكان سيدهم فيها رسول الله ص و كانت فاطمة ص امرأة شركتهم في التطهير و ليس لها في الإمامة شيء و هي أم الأئمة ص فلما قبض الله نبيه ص كان علي بن أبي طالب ص أولى الناس بالإمامة بعد رسول الله ص لقول الله عز و جل
وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
و لقول رسول الله ص في الحسن و الحسين هما سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما و لقوله ص الحسن و الحسين إماما حق قاما أو قعدا و أبوهما خير منهما فكان علي ع أولى بالإمامة من الحسن و الحسين لأنه السابق فلما قبض كان الحسن ع أولى بالإمامة من الحسين بحجة السبق و ذلك قوله
وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
فكان الحسن أسبق من الحسين و أولى بالإمامة فلما حضرت الحسن الوفاة لم يجز أن يجعلها في ولده و أخوه نظيره في التطهير و له بذلك و بالسبق فضيلة على ولد الحسن فصارت إليه
فلما حضرت الحسين الوفاة لم يجز أن يردها إلى ولد أخيه دون ولده لقول الله عز و جل
وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ
فكان ولده أقرب إليه رحما من ولد أخيه و كانوا أولى بها فأخرجت هذه الآية ولد الحسن و حكمت لولد الحسين فهي فيهم جارية إلى يوم القيامة و الحمد لله رب العالمين