الإمام علي عليه السلام :
م، [تفسير الإمام عليه السلام] قال أمير المؤمنين ع
م، [تفسير الإمام عليه السلام] قال أمير المؤمنين ع
لقد بعث رسول الله ص جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار فأبطأ عليهم خبرهم و تعلق قلبه بهم و قال ليت لنا من يتعرف أخبارهم و يأتينا بأنبائهم بينا هو قائل إذ جاءه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم و استولوا و صيروهم بين قتيل و جريح و أسير و انتهبوا أموالهم و سبوا ذراريهم و عيالهم فلما قرب القوم من المدينة خرج إليهم رسول الله ص بأصحابه يتلقاهم فلما لقيهم و رئيسهم زيد بن حارثة و كان قد أمره عليهم فلما رأى زيد رسول الله ص نزل عن ناقته و جاء إلى رسول الله ص و قبل رجله ثم قبل يده فأخذه رسول الله ص و قبل رأسه ثم نزل إلى رسول الله ص عبد الله بن رواحة فقبل رجله و يده و ضمه رسول الله ص إليه ثم نزل إليه سائر الجيش و وقفوا يصلون عليه و رد عليهم رسول الله خيرا ثم قال لهم حدثوني خبركم و حالكم مع أعدائكم و كان معهم من أسراء القوم و ذراريهم و عيالاتهم و أموالهم من الذهب و الفضة و صنوف الأمتعة شيء عظيم فقالوا يا رسول الله لو علمت كيف حالنا لعظم تعجبك
فقال رسول الله ص لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرئيل ع و ما كنت أعلم شيئا من كتابه و دينه أيضا حتى علمنيه ربي قال الله عز و جل
وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ
إلى قوله
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
و لكن حدثوا بذلك إخوانكم هؤلاء المؤمنين لأصدقكم فقد أخبرني جبرئيل ع فقالوا يا رسول الله ص إنا لما قربنا من العدو بعثنا عينا لنا لنعرف أخبارهم و عددهم لنا فرجع إلينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل و كنا ألفي رجل و إذا القوم قد خرجوا إلى ظاهر بلدهم في ألف رجل و تركوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا أنهم ألف و أخبرنا صاحبنا أنهم يقولون في ما بينهم نحن ألف و هم ألفان و لسنا نطيق مكافحتهم و ليس لنا إلا التحاصن في البلد حتى تضيق صدورهم من منازلتنا فينصرفوا عنا فتجرأنا بذلك عليهم و زحفنا إليهم فدخلوا بلدهم و أغلقوا دوننا بابه فقعدنا ننازلهم
فلما جن علينا الليل و صرنا إلى نصفه فتحوا باب بلدهم و نحن غارون نائمون ما كان فينا منتبه إلا أربعة نفر زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي و يقرأ القرآن و عبد الله بن رواحة في جانب آخر يصلي و يقرأ القرآن و قتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي و يقرأ القرآن و قيس بن عاصم في جانب آخر يصلي و يقرأ القرآن فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة و رشقونا بنبالهم و كان ذلك بلدهم و هم بطرقه و مواضعه عالمون و نحن بها جاهلون فقلنا فيما بيننا دهينا و أوتينا هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي النبال لأنا لا نبصرها فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءا خارجا من في قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة و ضوءا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة و المشتري و ضوءا خارجا من في عبد الله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة و نورا ساطعا من في زيد بن الحارثة أضوأ من الشمس الطالعة و إذا تلك الأنوار قد أضاءت معسكرنا حتى أنه أضوأ من نصف النهار و أعداؤنا في ظلمة شديدة فأبصرناهم و عموا عنا ففرقنا زيد عليهم حتى أحطنا بهم و نحن نبصرهم و هم لا يبصروننا
فنحن بصراء و هم عميان فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل و جريح و أسير و دخلنا بلدهم فاشتملنا على الذراري و العيال و الأثاث و الأموال هذه عيالاتهم و ذراريهم و هذه أموالهم و ما رأينا يا رسول الله أعجب من تلك الأنوار من أفواه هؤلاء القوم التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكننا منهم فقال رسول الله ص فقولوا الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان هذه كانت غرة شعبان و قد انسلخ عنهم الشهر الحرام و هذه الأنوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرة شعبان و أسلفوا لها أنوارا في ليلتها قبل أن يقع منهم الأعمال قالوا يا رسول الله و ما تلك الأعمال لنثاب عليها قال رسول الله ص أما قيس بن عاصم المنقري فإنه أمر بمعروف في يوم غرة شعبان و قد نهى عن منكر و دل على خير فلذلك قدم له النور في بارحة يومه عند قراءته القرآن و أما قتادة بن النعمان فإنه قضى دينا كان عليه في يوم غرة شعبان فلذلك أسلفه الله النور في بارحة يومه و أما عبد الله بن رواحة فإنه كان برا بوالديه فكثرت غنيمته في هذه الليلة
فلما كان من غده قال له أبوه إني و أمك لك محبان و إن امرأتك فلانة تؤذينا و تعيبنا و إنا لا نأمن من انقلاب في بعض هذه المشاهد و لسنا نأمن أن تستشهد في بعضها فتداخلنا هذه في أموالك و يزداد علينا بغيها و غيها فقال عبد الله ما كنت أعلم بغيها عليكم و كراهيتكما لها و لو كنت علمت ذلك لأبنتها من نفسي و لكني قد أبنتها الآن لتأمنا ما تحذران فما كنت بالذي أحب من تكرهان فلذلك أسلفه الله النور الذي رأيتم و أما زيد بن حارثة الذي كان يخرج من فيه نور أضوأ من الشمس الطالعة و هو سيد القوم و أفضلهم فلقد علم الله ما يكون منه فاختاره و فضله على علمه بما يكون منه إنه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي كان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه جاءه رجل من منافقي عسكرهم يريد التضريب بينه و بين علي بن أبي طالب ع و إفساد ما بينهما فقال له بخ بخ لك أصبحت لا نظير لك في أهل بيت رسول الله ص و صحابته و هذا بلاؤك و هذا الذي شاهدناه نورك فقال له زيد يا عبد الله اتق الله و لا تفرط في المقال و لا ترفعني فوق قدري فإنك بذلك مخالف و به كافر
و إني إن تلقيت مقالتك هذه بالقبول كذلك يا عبد الله أ لا أحدثك بما كان في أوائل الإسلام و ما بعده حتى دخل رسول الله ص المدينة و زوجه فاطمة ع و ولدت الحسن و الحسين ع قال بلى قال إن رسول الله ص كان لي شديد المحبة حتى تبناني لذلك فكنت أدعى زيد بن محمد إلى أن ولد لعلي الحسن و الحسين ع فكرهت ذلك لأجلهما و قلت لمن كان يدعوني أحب أن تدعوني زيدا مولى رسول الله ص فإني أكره أن أضاهي الحسن و الحسين فلم يزل ذلك حتى صدق الله ظني و أنزل على محمد ص
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ
يعني قلبا يحب محمدا و آله و يعظمهم و قلبا يعظم به غيرهم كتعظيمهم أو قلبا يحب به أعداءهم بل من أحب أعداءهم فهو يبغضهم و لا يحبهم ثم قال
وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ
إلى قوله
وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ
يعني الحسن و الحسين ع أولى ببنوة رسول الله ص في كتاب الله و فرضه
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً
إحسانا و إكراما لا يبلغ ذلك محل الأولاد
كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً
فتركوا ذلك و جعلوا يقولون زيد أخو رسول الله ص فما زال الناس يقولون لي هذا و أكرهه حتى أعاد رسول الله ص المؤاخاة بينه و بين علي بن أبي طالب ع ثم قال زيد يا عبد الله إن زيدا مولى علي بن أبي طالب كما هو مولى رسول الله ص فلا تجعله نظيره و لا ترفعه فوق قدره فتكون كالنصارى لما رفعوا عيسى ع فوق قدره فكفروا بالله العظيم قال رسول الله ص فلذلك فضل الله زيدا بما رأيتم و شرفه بما شاهدتم و الذي بعثني بالحق نبيا إن الذي أعده الله لزيد في الآخرة ليصغر في جنبه ما شهدتم في الدنيا من نوره إنه ليأتي يوم القيامة و نوره يسير أمامه و خلفه و يمينه و يساره و فوقه و تحته من كل جانب مسيرة مائتي ألف سنة