الإمام الحسين عليه السلام :
فلما كان الغداة أمر الحسين ع بفسطاطه فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثم دخل ليطلي فروي أن برير بن خضير الهمداني و عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير أ تضحك ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا و إنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فو الله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعاجلهم ساعة ثم نعانق الحور العين.
رجعنا إلى رواية المفيد قال قال علي بن الحسين ع إني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها و عندي عمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خباء له و عنده فلان مولى أبي ذر الغفاري و هو يعالج سيفه و يصلحهو أبي يقول
يا دهر أف لك من خليل كم لك بالإشراق و الأصيلمن صاحب و طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديلو إنما الأمر إلى الجليل و كل حي سالك سبيلي
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها و علمت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها و لزمت السكوت و علمت أن البلاء قد نزل و أما عمتي فلما سمعت ما سمعت و هي امرأة و من شأن النساء الرق و الجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها و هي حاسرة حتى انتهت إليه و قالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن يا خليفة الماضي و ثمال الباقي فنظر إليها الحسين ع و قال لها يا أخته لا يذهبن حلمك الشيطان و ترقرقت عيناه بالدموع و قال لو ترك القطا ليلا لنام فقالت يا ويلتاه أ فتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي و أشد على نفسي ثم لطمت وجهها و هوت إلى جيبها و شقته و خرت مغشية عليها فقام إليها الحسين ع فصب على وجهها الماء و قال لها يا أختاه اتقي الله و تعزي بعزاء الله و اعلمي أن أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أن كل شيء هالك إلا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته و يبعث الخلق و يعودون و هو فرد وحده و أبي خير مني و أمي خير مني و أخي خير مني و لي و لكل مسلم برسول الله أسوة فعزاها بهذا و نحوه و قال لها
يا أختاه إني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا أنا هلكت ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرن بعضهم بيوتهم من بعض و أن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض و أن يكونوا بين البيوت فيقبلوا القوم في وجه واحد و البيوت من ورائهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم و رجع ع إلى مكانه فقام ليلته كلها يصلي و يستغفر و يدعو و يتضرع و قام أصحابه كذلك يصلون و يدعون و يستغفرون