فاطمة سلام الله عليها , الإمام علي عليه السلام :
أقول وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها ع فأحببت إيراده و إن لم آخذه من أصل يعول عليه روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال
أقول وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها ع فأحببت إيراده و إن لم آخذه من أصل يعول عليه روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال
خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام راجيا لثواب الله رب العالمين فبينما أنا أطوف و إذا أنا بجارية سمراء و مليحة الوجه عذبة الكلام و هي تنادي بفصاحة منطقها و هي تقول اللهم رب الكعبة الحرام و الحفظة الكرام و زمزم و المقام و المشاعر العظام و رب محمد خير الأنام صلى الله عليه و آله البررة الكرام أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين و أبنائهم الغر المحجلين الميامين ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج و المعتمرين إن موالي خيرة الأخيار و صفوة الأبرار و الذين علا قدرهم على الأقدار و ارتفع ذكرهم في سائر الأمصار المرتدين بالفخار قال ورقة بن عبد الله فقلت يا جارية إني لأظنك من موالي أهل البيت ع فقالت أجل قلت لها و من أنت من مواليهم قالت أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها فقلت لها مرحبا بك و أهلا و سهلا فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك و منطقك فأريد منك الساعة أن تجيبيني من مسألة أسألك
فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك و أنت مثابة مأجورة فافترقنا فلما فرغت من الطواف و أردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام و إذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس فأقبلت عليها و اعتزلت بها و أهديت إليها هدية و لم أعتقد أنها صدقة ثم قلت لها يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء ع و ما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد ص قال ورقة فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبه و قالت يا ورقة بن عبد الله هيجت علي حزنا ساكنا و أشجانا في فؤادي كانت كامنة فاسمع الآن ما شاهدت منها ع اعلم أنه لما قبض رسول الله افتجع له الصغير و الكبير و كثر عليه البكاء و قل العزاء و عظم رزؤه على الأقرباء و الأصحاب و الأولياء و الأحباب و الغرباء و الأنساب و لم تلق إلا كل باك و باكية و نادب و نادبة و لم يكن في أهل الأرض و الأصحاب و الأقرباء و الأحباب أشد حزنا و أعظم بكاء و انتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء ع و كان حزنها يتجدد و يزيد و بكاؤها يشتد فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين و لا يسكن منها الحنين كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول
فلما في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تطق صبرا إذ خرجت و صرخت فكأنها من فم رسول الله ص تنطق فتبادرت النسوان و خرجت الولائد و الولدان و ضج الناس بالبكاء و النحيب و جاء الناس من كل مكان و أطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء و خيل إلى النسوان أن رسول الله ص قد قام من قبره و صارت الناس في دهشة و حيرة لما قد رهقهم و هي ع تنادي و تندب أباه وا أبتاه وا صفيا وا محمداه وا أبا القاسماه وا ربيع الأرامل و اليتامى من للقبلة و المصلى و من لابنتك الوالهة الثكلى ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لا تبصر شيئا من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد ص فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها إلى أن أغمي عليها فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها و على صدرها و جبينها حتى أفاقت فلما أفاقت من غشيتها قامت و هي تقول رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوي و الكمد قاتلي يا أبتاه بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغص عيشي و تكدر دهري فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي و لا رادا لدمعتي و لا معينا لضعفي
فقد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلقت دوني الأبواب فأنا للدنيا بعدك قالية و عليك ما ترددت أنفاسي باكية لا ينفد شوقي إليك و لا حزني عليك ثم نادت يا أبتاه وا لباه ثم قالت قل صبري و بان عني عزائي بعد فقدي لخاتم الأنبياءعين يا عين اسكبي الدمع سحا ويك لا تبخلي بفيض الدماءيا رسول الإله يا خيرة الله و كهف الأيتام و الضعفاءقد بكتك الجبال و الوحش جمعا و الطير و الأرض بعد بكي السماءو بكاك الحجون و الركن و المشعر يا سيدي مع البطحاءو بكاك المحراب و الدرس للقرآن في الصبح معلنا و المساءو بكاك الإسلام إذ صار في الناس غريبا من سائر الغرباءلو ترى المنبر الذي كنت تعلوه علاه الظلام بعد الضياءيا إلهي عجل وفاتي سريعا فلقد تنغصت الحياة يا مولائيقالت ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لا ترقأ دمعتها و لا تهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أمير المؤمنين ع فقالوا له يا أبا الحسن إن فاطمة ع تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لا بالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا
و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلا أو نهارا فقال ع حبا و كرامة فأقبل أمير المؤمنين ع حتى دخل على فاطمة ع و هي لا تفيق من البكاء و لا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال لها يا بنت رسول الله ص إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلا و إما نهارا فقالت يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فو الله لا أسكت ليلا و لا نهارا أو ألحق بأبي رسول الله ص فقال لها علي ع افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك ثم إنه بنى لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين ع أمامها و خرجت إلى البقيع باكيةفلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين ع إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها و لم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة و عشرون يوما و اعتلت العلة التي توفيت فيها فبقيت إلى يوم الأربعين و قد صلى أمير المؤمنين ع صلاة الظهر و أقبل يريد المنزل إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات فقال لهن ما الخبر و ما لي أراكن متغيرات الوجوه و الصور فقلن يا أمير المؤمنين أدرك ابنة عمك الزهراء ع و ما نظنك تدركها
فأقبل أمير المؤمنين ع مسرعا حتى دخل عليها و إذا بها ملقاة على فراشها و هو من قباطي مصر و هي تقبض يمينا و تمد شمالا فألقى الرداء عن عاتقه و العمامة عن رأسه و حل أزراره و أقبل حتى أخذ رأسها و تركه في حجره و ناداها يا زهراء فلم تكلمه فناداها يا بنت محمد المصطفى فلم تكلمه فناداها يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه و بذلها على الفقراء فلم تكلمه فناداها يا ابنة من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى فلم تكلمه فناداها يا فاطمة كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب قال ففتحت عينيها في وجهه و نظرت إليه و بكت و بكى و قال ما الذي تجدينه فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب فقالت يا ابن العم إني أجد الموت الذي لا بد منه و لا محيص عنه و أنا أعلم أنك بعدي لا تصبر على قلة التزويج فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوما و ليلة و اجعل لأولادي يوما و ليلة يا أبا الحسن و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لأمة تقتلهما و تبغضهما ثم أنشأت تقول أبكني إن بكيت يا خير هادي و أسبل الدمع فهو يوم الفراق
يا قرين البتول أوصيك بالنسل فقد أصبحا حليف اشتياقأبكني و أبك لليتامى و لا تنس قتيل العدي بطف العراقفارقوا فأصبحوا يتامى حيارى يحلف الله فهو يوم الفراققالت فقال لها علي ع من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر و الوحي قد انقطع عنا فقالت يا أبا الحسن رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله ص في قصر من الدر الأبيض فلما رآني قال هلمي إلي يا بنية فإني إليك مشتاق فقلت و الله إني لأشد شوقا منك إلى لقائك فقال أنت الليلة عندي و هو الصادق لما وعد و الموفي لما عاهد فإذا أنت قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني و لا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة و ليصل علي معك من أهلي الأدنى فالأدنى و من رزق أجري و ادفني ليلا في قبري بهذا أخبرني حبيبي رسول الله ص فقال علي و الله لقد أخذت في أمرها و غسلتها في قميصها و لم أكشفه عنها فو الله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله ص و كفنتها و أدرجتها في أكفانها فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة يا حسن يا حسين هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق و اللقاء في الجنة فأقبل الحسن و الحسين ع و هما يناديان
وا حسرتى لا تنطفى أبدا من فقد جدنا محمد المصطفى و أمنا فاطمة الزهراء يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فأقرئيه منا السلام و قولي له إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا فقال أمير المؤمنين ع إني أشهد الله أنها قد حنت و أنت و مدت يديها و ضمتهما إلى صدرها مليا و إذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها فلقد أبكيا و الله ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب قال فرفعتهما عن صدرها و جعلت أعقد الرداء و أنا أنشد بهذه الأبيات فراقك أعظم الأشياء عندي و فقدك فاطم أدهى الثكولسأبكي حسرة و أنوح شجوا على خل مضى أسنى سبيلألا يا عين جودي و أسعديني فحزني دائم أبكي خليليثم حملها على يده و أقبل بها إلى قبر أبيها و نادى السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا نور الله السلام عليك يا صفوة الله مني السلام عليك و التحية واصلة مني إليك و لديك و من ابنتك النازلة عليك بفنائك و إن الوديعة قد استردت و الرهينة قد أخذت فوا حزناه على الرسول ثم من بعده على البتول و لقد اسودت علي الغبراء و بعدت عني الخضراء فوا حزناه ثم وا أسفاه
ثم عدل بها على الروضة فصلى عليه في أهله و أصحابه و مواليه و أحبائه و طائفة من المهاجرين و الأنصار فلما واراها و ألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقول أرى علل الدنيا علي كثيرة و صاحبها حتى الممات عليللكل اجتماع من خليلين فرقة و إن بقائي عندكم لقليلو إن افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يدوم خليل